في ظل غياب سيادة القانون واحترام حريات المواطنين، هل يمكن الحديث عن حوار وطني؟

تقديم

في ربيع عام 2022 ،وتحديدا بتاريخ 26 أبريل عام 2022 وعلى هامش حفل أُقيم تحت ما يسمى بـ إفطار الأسرة المصرية1 و بمشاركة عدد كبير من الشخصيات العامة والرسمية كلف رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي إدارة المؤتمر الوطني للشباب بإدارة حوار سياسي مع كافة القوى والتيارات السياسية دون تفرقة أو تمييز ورفع نتائج هذا الحوار لرئيس الجمهورية شخصيا ، وذلك تحت شعار (الوطن يتسع للجميع ) .

وانطلق الاعلام الموالي للنظام فى مباركة هذه الخطوة ، والحديث عن انفراجة سياسية وفتح المجال العام أمام المعارضين ،وذلك بعد ما يقرب من أكثر من 9 سنوات من السيطرة الكاملة للنظام على المشهد السياسي في مصر .

من يرى المشهد من الخارج عندما يصل إلى سمعه جملة حوار وطني دون تفرقة أو تمييز في مصر يعتقد أن ذلك الحوار سيكون بين جميع التيارات السياسية فى مصر ومنها جماعة الإخوان المسلمين واليسار، ولكن السيسي قد صرح في وقت لاحق على دعوته تلك أن ذلك الحوار سيتم بين جميع القوى السياسية باستثناء فصيل واحد ،ومن المعلوم أن هذا الفصيل المستثنى هو بالتأكيد جماعة الإخوان المسلمين ( الفزاعة السياسية التي يعيش عليها نظام السيسي منذ ما يقرب من 10 سنوات منذ الإطاحة بحكم الإخوان فى 30 يونيه من عام 2013 بدعوى محاربة الإرهاب ) .

لاقت تلك الدعوى ترحيب بعض الشخصيات العامة والأحزاب السياسية المغيبة عن المشهد السياسي منذ نحو عقد من الزمان، وتشكيك البعض الآخر.

حيث يرى كثير من السياسيين المصريين انها فرصة للحوار والنقاش حول مخرجات للأزمة السياسية والاقتصادية التي تعيشها مصر الآن ،خاصة أنهم خلال السنوات التسع الماضية كانوا لا يستطيعون الإجتماع ببعضهم البعض للنقاش و للتشاور في شؤون البلاد وذلك لرفض الجهات الامنية تلك الاجتماعات ،ويراها البعض الآخر أنها لا تعدو كونها إحدى المناورات السياسية التي يناور بها النظام لتحسين صورته أمام المجتمع الدولى بعد أن أصبح فشله فى إدارة البلاد فى جميع الملفات السياسية والاقتصادية محل ازدراء شديد فى الداخل والخارج .

الدعوة للحوار وصداها في الشارع المصري

أُطِلقت تلك الدعوة في ظل ظروف حياتية ومعيشية طاحنة يعيشها الشعب المصري فقد خلالها الثقة فيما يقال من تصريحات ودعوات سواء ما يأتي منها رسميا او غير رسمي ، وبالتقريب ، لا يعتد السواد الأعظم من الشعب سوي بما يستطيع معه تأمين قوت يومه له ولأبنائه ،لذلك فإن تلك الازمة الاقتصادية الطاحنة التي يعيشها الشارع المصري الآن هي بالأساس أزمة سياسية قد آلت بـ الأوضاع إلى الحد الذي لا يمكن معه الحديث عن حوار وطني يشمل أي شئ غير حل تلك الأزمة ،في حين أننا نجد أن ما يسمى بمجلس أمناء الحوار الوطني ، والذي عُهِد إليه تنسيق إجراءات ذلك الحوار قد قام بتفريع ذلك الحوار إلى عدة فروع ولجان متشعبة وصل عددها إلى 19 لجنة فرعية2 تندرج تحت ثلاث محاور رئيسية سياسية واقتصادية واجتماعية ، وهو الأمر الذي يذكرنا بمعضلة هذا الوطن وآفته التاريخية ( البيروقراطية ) و يعيد إلى أذهاننا المشهد الأشهر في السينما المصرية بين الفنانين الراحلين حسن مصطفى وفؤاد المهندس في فيلم أرض النفاق ، عندما قرر الفنان حسن مصطفى القائم بدور عويجة أفندى وهو موظف بيروقراطي فى الجهاز الإداري للدولة على حسب ما جاء بالفيلم ، أن يقاضي شركة مقاولات أسند إليها إعادة بناء بعض المكاتب الجديدة وبعد ثماني عشرة عام اكتشف هذا الموظف فى شباك غرفة مكتبه ( شنكل ناقص ) ، فقام بمخاطبة شركة المقاولات تلك لترد عليه بأن الشركة قد سلمت المبني مطابقا للمواصفات وأنهم غير مسئولين عن ( الشنكل الناقص ) وبذلك يكونوا غير ملزمين بالتعويض ،مما حدا بالموظف ( عويجة أفندى) بمطالبة اللجنة التي قامت باستلام المباني من المقاول بمراجعة كشوف الاستلام ، وطبقا للمشهد استوقفه مديره الذي يرأسه كما في الفيلم الفنان فؤاد المهندس والذي يقوم بدور شخصية المدير (مسعود ابوالسعد ) وسؤاله ماذا فعلت اللجنة ؟ فأجاب الموظف – عملت لجنة ! واستمر السجال بينهم فى هذا المشهد الشهير من لجنة قامت بعمل لجنة إلى لجنة انبثقت عن لجنة إلى آخر ما آل إليه المشهد فى النهاية ان الموظف عويجة أفندى قد قام بالصرف على اللجان وتشكيلها ومصاريف تقاضي في المحاكم ضد شركة المقاولات عشرات الأضعاف من الأموال التي كان من السهل توفيرها إن كان منذ البداية قام بحل هذه المشكلة وإنهائها بتركيب ذلك الشنكل فى الشباك وانتهى الأمر .

وهي ذات المعضلة التي نحن بصددها الآن . حوار وطني أعلن عنه رأس النظام السياسي في مصر من المفترض أنه من أجل حل أزمة سياسية وهو القائل في إحدى لقاءاته السابقة أنه ليس رجل سياسة وأنه لا يؤمن بدراسات الجدوى في الاقتصاد كما في لقاء آخر، وهو يعلم جيدا أن نظام حكمه هو المتسبب الأول لها باغلاقه للمجال العام وقمع الحريات ،وانتهاكات حقوق الإنسان و سياسات نظامه النقدية الخاطئة التي ساهمت في زيادة الدين العام الخارجي لمعدلات غير مسبوقة ، وأودت بالحياة المعيشية للمصريين الي أدني معدلاتها وزادت من دخول 60 % من المصريين تحت الفقر، ونخبة سياسية مقموعة وغير مؤثرة في الشارع المصري ومنفصلة عنه تمام الانفصال خلال الـ الثمان سنوات الأخيرة قبلت ذلك الحوار بشروط وضوابط واقتراح بعمل لجان متشعبة هي الأخرى- طبقا للبيان الذي نشره السياسي حمدين صباحي 3علي صفحته الشخصية على موقع فيسبوك في 8 مايو 2022 صادر عن الحركة المدنية الديمقراطية (تم تأسيسها أواخر عام 2017 وتضم عدة أحزاب وشخصيات عامة) – نرى أنها قد تؤدي إلي إهدار المزيد من الوقت ونذيرُُ بفشلها .

خلال الأيام الماضية وتحديدا بتاريخ 27 مارس الماضي أعلنت الصفحة الرسمية للحوار الوطني على فيس بوك بيان ضمن ما جاء به تقدم مجلس أمناء الحوار لرئيس الجمهورية بتاريخ 26 مارس بمقترحات من بينها اقتراح بتحديد 3 مايو المقبل كموعد لبدء جلسات الحوار الوطني عقب انتهاء إجازات الأعياد ، اقتراح يتعلق بتعديل تشريعي في قانون الهيئة الوطنية للانتخابات باستمرار الإشراف القضائي الكامل علي الانتخابات والاستفتاءات وهو التعديل المرتبط بنص المادة ( 34) من قانون الهيئة ،والذي يحدد مدة الإشراف القضائي الكامل بعشر سنوات من تاريخ العمل بالدستور تبدأ من 18 يناير 2014 وتنتهي في 17 يناير 2024 ، وهو المقترح الذي أعلن رئيس الجمهورية على حساباته الرسمية (وفقا لبيان آخر لمجلس أمناء الحوار4 ) بتشجعيه وتوجيه الحكومة والأجهزة المعنية فى الدولة بدراسته وآليات تنفيذه ،،فى وقت سابق لذلك البيان بعدة أشهر وعقب الإعلان عن هذا الحوار وتحديدا بتاريخ 9 مايو من العام الماضي انتشر الكترونيا بيان5 بتوقيع عدد كبير من الحقوقيين والصحفيين والشخصيات العامة أُتيح للتوقيع لمن يهمه الأمر من المهتمين بالشأن العام ، يحوي عدد من المطالب من أجل بناء الثقة بين السلطة الحاكمة وباقي مكونات المجتمع السياسي والمدني المصري وطالبوا إبداءََ لحُسن النية و لجدوى ذلك الحوار أنه لابد من اتخاذ السلطة لحزمة إجراءات من بينها : الوقف الفوري والكامل لكل أشكال الحجز التعسفي المصادر لحرية التعبير ، الوقف الفوري لاستخدام الحبس الاحتياطي كعقوبة ،وإطلاق سراح كل المحبوسين احتياطيا ممن تجاوزت مدة حبسهم ستة أشهر ولم يتم إحالتهم للمحاكمة ، والتوقف عن توظيف قوانين الإرهاب ، وإغلاق الشق الثاني من القضية رقم 173 الخاصة بمنظمات حقوق الإنسان المصرية، ، وقف كافة أشكال التضييق على المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان ،رفع القبضة الأمنية عن مختلف وسائل الإعلام، وقف التعديات على حرية الصحافة وترهيب الصحفيين، رفع الحجب عن المواقع الإخبارية، بما يخلق مناخاً من حرية التعبير، ،مراجعة شاملة لكافة التشريعات المقيدة للحقوق والحريات العامة، وضمان استقلال السلطة القضائية، وشددوا فى نهاية البيان على أن التمثيل في الحوار الوطني يجب أن يتسع لكافة أطياف المعارضة السياسية بما يشمل ممثلين عن المحتجزين والمحتجزات الذين دفعوا أثمانا غالية للدفاع عن الحق في التعبير، بالإضافة لممثلين عن المعارضة المصرية التي تكونت في المهجر بفعل سياسات النظام، ودعوة كل تيارات المعارضة لضرورة الالتفاف حول هذه المطالب لبدء حوار وطني حقيقي ،،

وبناءا على ما تم ذكره هل هذا الحوار المسمى بالوطني (ان تمَ ) بين نظام انفرد بالسلطة لأكثر من ثمان سنوات وبين معارضة غُيبت عمدا عن الشارع المصري خلالها، وبدون ضمانات حقيقية للمشاركين فيه

هل سيكون حوارا حقيقا أم هو لا ، لاسيما مع استمرار غياب سيادة القانون واحترام حريات المواطنين وخاصة سجناء الرأي ، فمن المتوقع والحال هكذا ، ان يصبح هذا الحوار مناورة سياسية لغسل يد النظام من تلك السياسات الاقتصادية وتداعياتها المبهمة في صورة إشراك للمجتمع السياسي والحزبي، ، ورغم تمنياتنا بعكس ذلك ، إلا أن هذا ما سيتضح خلال الأيام المقبلة .

1 موقع يويتيوب – اسم القناة ElMehwar Tv Channel – عنوان الفيديو -كلمة كلمة الرئيس السيسي خلال حفل إفطار الأسرة المصرية- تاريخ النشر منذ 11 شهر – رابط

2 صفحة الحوار الوطني على موقع فيسبوك – تاريخ النشر 12 يناير 2023- رابط

3 موقع فيسبوك – اسم الصفحة / حمدين صباحي Hamdeen Sabahy – تاريخ النشر – 8 مايو 2022 – عنوان البيان/ بيان الحركة المدنية الديمقراطية بشأن الدعوة للحوار السياسي – رابط البيان

4 موقع فيسبوك – اسم الصفحة / الصفحة الرسمية للحوار الوطني – تاريخ النشر 27 مارس 2023 – عنوان الخبر /مجلس أمناء الحوار الوطني يشيد بالاستجابة السريعة للسيد الرئيس، عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية – رابط الخبر

5 اسم الموقع / change.org – عنوان / في مصر: جدية ونجاح أي حوار يتطلب توجهات وتدابير جادة من الدولة لبناء الثقة – رابط

وسوم: